الإخلاص في الحج --- خطبة جمعة لشيخنا المفضال أبو إبراهيم محمد سلطان

الإخلاص في الحج

   إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صفيه من خلقه وحبيبه.

   أما بعد أيها المسلمون فإن الله تبارك وتعالى قال في محكم التنزيل:﴿ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾97/آل عمران. إفترض الله تبارك وتعالى على المسلمين مرة واحدة في العمر على المكلفين منهم أن يحجوا بيته الحرام وحدد سبحانه وتعالى ميقاتا زمنيا لإنشاء هذا الحج فقال:﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾197/البقرة. من أراد الحج فإن له من أول ليلة من ليالي شوال أن ينشئ النية بحج بيت الله الحرام فشوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة هي الأشهر التي حددها تبارك وتعالى لإنشاء الحج من أراد أن يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بهذا الركن العظيم من أركان الإسلام فإنه ينشئ النية بالحج في هذه الأشهر حج سيد الخلق عليه الصلاة والسلام وقال للناس:(( لتأخذوا عني مناسككم )) حج أمامهم وطبَّق الحج تطبيقا عمليا يقول جابر رضي الله عنه في الحديث الصحيح في صحيح مسلم وهو حديث طويل حَريٌّ لكل مسلم أن يقرأه وأن يفهم ما فيه إذا أراد أن يحج بيت الله الحرام هذا الحج يقول فيه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وحديثه حديث طويل وهو في صحيح مسلم وغيره يصفُ كيف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ضمن وصفه لحجه عليه الصلاة والسلام قال جابر: ثم ركب القصواء ركب عليه الصلاة والسلام ناقته القصواء بعد ما أَهلَّ من ذي الحليفة قال ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء على الصحراء أَهلَّ يقول جابر رضي الله عنه حتى إذا استوت ناقته على البيداء نظرْتُ إلى مدّ بصري بين يديه من راكب وماشٍ يريد أن يصف جابر تلك الأعداد والجمع الكبير التي حجَّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حتى استوت ناقته على البيداء نظرْتُ إلى مد بصري يقول نظرْتُ إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ يعني هناك من يمشي بين يديه عليه الصلاة والسلام ومن يركب بين يديه فمن حجَّ ممن خرج مع النبي عليه الصلاة والسلام للحج على مد البصر فمن أمامه يقول فنظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك هذه الجموع كلها خرجت مع النبي عليه الصلاة السلام وهذا المشهد العظيم من المشاهد التي تدل على اقتداء الصحابة بالنبي عليه الصلاة والسلام وعلى حسن سمتهم واتِّباعهم للمصطفى صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا على مد البصر عن يمينه وعن يساره ومن أمامه ومن خلفه فمنهم من يمشي ومنهم من يركب يقول جابر وهو يصف هذا المشهد وكيف أدّى النبي عليه الصلاة والسلام هذا النسك قال ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهُرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به فأهلَّ بالتوحيد يعني لبَّى النبي عليه الصلاة والسلام بالتوحيد ليعلم الناس أن العبادات ومن أعظمها عبادة الحج مبنية على توحيد الله وأن هذا هو الشرط الأساسي لقبول سائر الأعمال أي عمل من الأعمال الصالحة الحج الصيام الصلاة الزكاة أي عمل من الأعمال الصالحة التي يُتقرَّب بها إلى الله تبارك وتعالى لابد أن يكون المرء مخلصا فيه لله تبارك وتعالى أن يكون موحدا لله تبارك وتعالى يقول جابر: فأهَلَّ بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، من أراد أن يتقبل الله منه حجه فليُخلص النية لله تبارك وتعالى ليجعل حجه خالصا لوجه الله لا يريد محمدة الناس ولا ثناؤهم لا يريد أن يُقال إنه من الحجاج أو الحاج فلان الذي حج بيت الله الحرام إنما يقصد بعمله وجه الله تبارك وتعالى لأن التلبية هي تأكيد على الإيمان وعلى إخلاص العمل لله تعالى لبيك اللهم لبيك لبيك يعني أنا مجيب لك مقيم على طاعتك مرة بعد مرة لا شريك لك، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. من حج بيت الله الحرام وهو يستغيث بغير الله تبارك وتعالى من حج بيت الله وهو يذبح لغير الله من حج بيت الله وقلبه متعلق بغير الله في توكله وفي محبته وفي خوفه وفي رجائه هذا لم يحج الحج الذي أراده الله تبارك وتعالى وأراده رسوله صلى الله عليه وسلم لأن إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام الذي نبتدأ به كان موحدا لله كان قد أخلص عمله لله تبارك وتعالى لم يُشرك بالله تبارك وتعالى شيئا ومشاهد الحج تُذكِّر بإمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام عند البيت الحرام الكعبة التي بناها ومقام إبراهيم عليه السلام الذي كان يقوم عليه وهو يبني الكعبة ومواقفه التي وقفها من منىً وهو يرمي الجمرات كل ذلك يُذكِّر المسلمين بإمام الحنفاء ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾4/الممتحنة كان لنا فيه أسوة وقدوة وأسوتنا وقدوتنا بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أفضل من خلقه الله وأفضل من وحَّد الله وأفضل من أطاع الله وقد لبَّى بالتوحيد عليه الصلاة والسلام وأمر أمته أن تلبِّي بالتوحيد في مشاهد الحج ومواقفها بالحج لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك أقول قولي هذا وأستغفر الله.

الخطبة الثانية

   الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلوات ربي وسلامه عليه الذي لم يدع خيرا إلا ودل الأمة عليه ولم يدع شرا إلا وحذَّر الأمة منه فجزاه الله عنا خير ما جزا به نبيا عن أمته وبعدُ معاشر المسلمين فقد قال الله تبارك وتعالى:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾21/الأحزاب كان لنا فيه عليه الصلاة والسلام الأسوة والقدوة في صلاتنا في زكاتنا في جهادنا في أمرنا بالمعروف في نهينا عن المنكر في تعاملنا مع أهلينا في تعاملنا مع الناس إذا حججنا بيت الله الحرام لنا في سيد الخلق عليه الصلاة والسلام الأسوة والقدوة في تقربه إلى الله تبارك وتعالى أثناء أداءه للمناسك في خُلُقه النبيل الذي كان عليه عليه الصلاة والسلام فقد حج عليه الصلاة والسلام يصف الصحابة رضي الله عنهم كيف حج أن الناس كانوا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن يساره على مد البصر على مد البصر يعني من كل مكان أحاطوا بالنبي عليه الصلاة والسلام وكان عليه الصلاة والسلام إذا حج لا يقول للناس إليك إليك يعني لا يُفسَح له الطريق ولا يُوسَّع له الطريق لكن الأدب الذي كان عليه الصحابة وتقديرهم ومحبتهم للنبي عليه الصلاة والسلام تحملهم على تسهيل الأمر عليه لكن لم يكن يدفع أحدا من الناس من بين يديه عليه الصلاة والسلام لم يكن يُقال إليك إليك علَّم الصحابة رضي الله عنهم وعلَّم أمته كيف تحج بيت الله الحرام كيف تطوف بالبيت وكيف تسعى بين الصفا والمروة وإذا أرادت أن تقف بعرفة كيف تقف بعرفة وعلَّمهم كيف يدفعون من عرفة إلى المزدلفة وكيف يقيمون في المزدلفة يبيتون فيها ثم كيف يخرجون من مزدلفة إلى منى ثم كيف يرمون الجمرات وعلَّمهم عليه الصلاة والسلام تفاصيل الحج مع سُمُوّ الأخلاق التي كان عليه عليه الصلاة والسلام الذي قال الله تبارك وتعالى عنه:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾4/القلم ينبغي على الأمة الإسلامية أن تقتدي به عليه الصلاة والسلام من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ليست القضية هو أن يذهب المرء ويطوف بالبيت يدفع الناس عن يمينه وعن يساره يحسب أنه في ساحة ورى أنه حينما يكون قوي الجسد يطأ الناس ويدفعهم ويتقدم عليهم حينما يركب سيارة أكبر يمكن أن يتقدم على السيارات التي أصغر منه هذا ليس حجا لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما رتَّب الفضل والأجر على قوله: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه )) نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا إنه ولي ذلك والقادر عليه اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا ولا تُسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأقاربنا ولجميع إخواننا المسلمين يا ارحم الراحمين اللهم توفنا مسلمين واحشرنا مع الصالحين غير خزايا ولا مفتونين اللهم من أرادنا والمسلمين وحجاج بيت الله الحرام بسوء اللهم إنا نجعلك في نحره ونعوذ بك اللهم من شره اللهم اجعل تدبيره تدميرا له اللهم اجعل هذا البلد الحرام آمنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ونعوذ بك من عذاب القبر ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات ونعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله.