فضل التوحيد وما يُكفِّرُ من الذنوب
إن الحمد لله
نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
كثيرا.
اللهم علمنا
ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به
بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تُهَوِّنُ به علينا
مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا واجعله الوارث
منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا
ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا ولا تسلط علينا
بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا اللهم آمين وبعد.
وكنا قد
توقفنا عند التعليق على كتاب التوحيد في باب فضل التوحيد وما يكفِّرُ من الذنوب
وقد انتهينا إلى آخر حديث أورده الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في هذا
الباب وهو الذي في سنن الترمذي قال: وللترمذي وحسّنه عن أنس سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى:(( يا ابن آدم
لو أتيْتني بقُراب الأرض خطايا ثم لَقِيتَني لا تشرك بي شيئا لأَتيْتُك بِقُرابها
مغفرة )) قُراب الأرض يعني ما يُقارب الأرض من الخطايا لأتاه
الله تبارك وتعالى بما يُقاربها مغفرة والدلالة واضحة من هذا الحديث في أن التوحيد
سببٌ لدخول جنة الله تبارك وتعالى وهذا الحديث يدل على ما دلّت عليه الآية
القرآنية في قوله تبارك وتعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾48/النساء. فمن أتى الله تبارك وتعالى بأصل التوحيد وكمال التوحيد فكما قلنا له
الأمن التام في الدنيا والأمن التام يوم القيامة لقوله تبارك وتعالى:﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾82/الأنعام. وهذا الأمن يكون في الدنيا أمنا تاما ويكون كذلك يوم
القيامة فمن أتى الله تعالى بأصل التوحيد دون كماله لديه أخطاء، لديه ذنوب عصاة
الموحدين الذين يرتكبون الكبائر هؤلاء لا يُخَلَّدون في النار فإن الله تبارك
وتعالى قد قال:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾48/النساء. وقد يتجاوز الله تبارك وتعالى عنهم قد يغفر لهم سبحانه
وتعالى بأصل التوحيد ويتجاوز عن سيئاتهم كما في حديث صاحب البطاقة وذكرنا أيضا
حديث البغي من بغايا بني إسرائيل التي مرّت على كلبٍ يلهث وكانت هذه المرأة تحترفُ
البغاء مرَّت على كلبٍ يلهث فنزلت إلى البئر فملأت خُفَّها ماءاً فسقت الكلب فغفر
الله لها كان لديها أصل التوحيد وتجاوز الله تبارك وتعالى عنها عن هذه الكبيرة
التي ارتكبتها وهي البغاء لكونها أحسنت إلى هذا المخلوق من مخلوقات الله وهو
المخلوق الحقيقي كلبٌ أحسَنتْ إليها رَحِمتْهُ فرَحِمها الله فالله تعالى قد يتجاوز
عن أصحاب الكبائر من عصاة الموحدين ممن يشربون الخمور أو العياذ بالله يقتلون أو
الذين يزنون هم تحت المشيئة إن شاء الله غفر لهم وإن شاء عذبهم وإن عذبهم فإنهم لا
يُخَلّدون في النار فإن الله تعالى قد قال:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾48/النساء. هذه عقيدة أهل السنة والجماعة على خلاف ما عليه الخوارج الذين حاربوا
الصحابة رضي الله عنهم خرجوا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أولا ثم خرجوا
بعد ذلك على علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرجوا بمنهج سياسي أول الأمر على أنهم
لديهم ملاحظات على الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان تَولَّوْه في الست سنوات
الأولى من حكمه وتبرئوا في الست السنوات الأخرى ثم بعد ذلك تطَوَّر بهم الأمر إلى
أن اتجهوا إلى اتجاه عقدي فأخذوا يُكفِّرون من زنى ومن سرق يُكفِّرون مرتكب
الكبيرة حتى كفَّروا عليَّا رضي الله عنه حينما قَبِلَ التحكيم وهم الذين رَضَوْ
به هم الذين رَضُوا بالتحكيم لما قَبِلَ التحكيم حكموا على أنفسهم بأنهم أصبحوا
كفارا لأنهم قَبِلوا بحكم الرجال وأنهم تابوا ورجعوا إلى الإيمان وأن عليَّا رضي
الله عنه يَتعيَّن عليه أن يفعل ذلك هؤلاء الخوارج يُكفِّرون مرتكب الكبيرة فمَنْ
وقع في كبائر الذنوب عندهم من قتل من سرق فإنه يخرُجُ عن دائرة الإسلام هذه ليست
عقيدة أهل السنة والجماعة من أتى الله بأصل التوحيد هذا الذي دلَّ عليه كتاب الله تبارك
وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه أيضا الأئمة الأعلام من الأئمة
الذين تَتَّبِعهم الأمة في القرون الأوَّل والثاني والثالث ومن سار على نهجهم
وطريقتهم أنه لا يُكفَّر من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب وصد صرح بذلك عليه الصلاة
والسلام حينما قال لأبي ذر رضي الله عنه: (( وإن زنى وإن سرق )) وإن زنى وسرق
فإن الله تبارك وتعالى قد يتجاوز عنه وقد يغفر له سبحانه وتعالى ذنوبه هذا ليس
معناه أن يُعَوَّدَ مرتكب الكبيرة من عصاة الموحدين على سعة رحمة الله فيستمرء
المعصية ويقع في الذنب إثر الذنب نحن نقول من الناحية العامة أنه تحت المشيئة لكن
ينبغي له أن لا يأمن من مكر الله تبارك وتعالى فإن القلوب بين أُصبُعيْن من أصابع
الرحمن يُقَلِّبها الله كيف يشاء هناك من عصاة الموحدين من يقول إنه طالما أن لديه
أصل الإسلام فليفعل ما يشاء يرتكب الموبقات يقع في الفواحش والمحرمات ويقول أنا
أقول لا إله إلا الله وهذه الكلمة سوف تَحُطُّ عني هذه الخطايا هذه الكلمة تمنع
المسلم من الخلود في النار لكنه إذا كان قد أتى بالكبائر فهو متوعد بعذاب الله
تعالى إن شاء الله تعالى غفر له وإن شاء عذبه وقد يَنْقَلِبُ القلب بفعل الكبائر
أحيانا فإن المعاصي بريد الكفر كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في قوله سبحانه
وتعالى:﴿ وَالَّذِينَ لَا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ
أَثَامًا ﴾68/الفرقان. يقول هذه الثلاثة يدعو بعضها إلى بعض الكفر يدعو إلى
القتل وإلى الزنا والقتل يدعو إلى الكفر وإلى الزنا والزنا يدعو إلى الكفر بالله
تعالى وإلى القتل لِعِظم شأن هذه المعاصي الثلاثة ذكرها الله تبارك وتعالى فمن وقع
في الزنا يُخشى عليه نقول يعني ليس كافرا من وقع في الزنا وكذلك من سَرَق من قَتَل
لكن يُخشى عليه أن ينقلب قلبه وكم رأينا من العشاق والعياذ بالله الذين انغمسوا في
الفواحش والموبقات والذين استمرؤوا الوقوع في المحرمات ممن انقلب والعياذ بالله
قلبه كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الجواب الكافي في قصة المؤذن الذي
فُتِن بصورة امرأة والعياذ بالله كانت نصرانية رآها أطلَّ من مأذنة فتعلق قلبه بها
أراد أن يتزوجها فرفض أهلها أن يزوجوها إلا إذا تنصَّر فترك الإسلام والعياذ بالله
وتنصَّر ولم يتم له ما يريد وسمعنا من المنحرفين من المغنِّين والمغنيات الذين
يرددون في أغانيهم الكلمات الكفرية والعياذ بالله تعلقٌ بالمحبوب وتعلقٌ بالمعشوق
إلى درجة أنه يعبده من دون الله تبارك وتعالى فالمقصود حينما يُقال إن أصل التوحيد
إذا أتى المرء ربه تبارك وتعالى به يوم القيامة لا يُخلِّده في النار وهو تحت
المشيئة إن شاء غفر الله له وإن شاء عذبه وقد يتجاوز الله عنه كما في الحديث
الصحيح صاحب البطاقة الذي ليس عنده إلا كلمة التوحيد وُضعت في كِفَّة الحسنات
فَرَجحتْ كِفَّة حسناته بالسيئات الكثيرة التي أتى بها لأنه أتى الله تبارك وتعالى
بقلب سليم هذا لا يعني أبدا بحال أن يأمن المرء من مكر الله تبارك وتعالى فيقع في
الذنوب والمعاصي يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في أول مسائل هذا
الباب قال: فيه مسائل. والمسائل قلنا الفوائد. الأولى: سعة فضل الله من رحمته
سبحانه وتعالى أنه يقبل التوبة من عباده ومن رحمته سبحانه وتعالى أنه جعل كلمة
التوحيد سببا للنجاة من عذابه سبحانه وتعالى يوم القيامة قد يقع في المعصية بعض
الذين يقعوا فيها من عصاة الموحدين ويتجاوز الله سبحانه وتعالى عنهم فهذا دليل على
سعة فضل الله تبارك وتعالى وأنه سبحانه وتعالى لا يُعاجل عباده بالعقاب يُملي
سبحانه وتعالى للظالمين يُملي للمنحرفين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( إن الله يُملي للظالم )) لا يُعاجل
سبحانه وتعالى في الغالب ما يُعاجل بالعقوبة من سعة رحمته وحلمه سبحانه وتعالى بعبيده
أن يُمهل الإنسان قد يتركه سبحانه وتعالى إلى أن يتقدم به السن إذا لم يتب إلى
الله سبحانه وتعالى حينما يكتمل عقله ويصل إلى درجة النضج العقلي إذا لم يتب إلى
الله أعذر الله سبحانه وتعالى امرأة بلغت ستين وقال الله تعالى في الثناء على
الصالحين من عباده:﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ
أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ
نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾15/الأحقاف. إذا وصل إلى السن المتقدم ولم يُحدِث توبة هذا دليل على
شقاوةٍ فيه والعياذ بالله فالله تعالى رحمته واسعة ومن رحمته سبحانه وتعالى أنه
يتوب على من تاب سبحانه وتعالى ويتجاوز عن سيئات من أتى الله تبارك وتعالى يوم
القيامة بقلب سليم خالٍ من الشرك قد يتجاوز الله سبحانه وتعالى عن عثرات وزلات:﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾82/الأنعام.
الفائدة الثانية: كثرة ثواب التوحيد عند الله هذه الكلمة
من أجلها أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل وأنزل الكتب ما هي الكلمة؟ كلمة التوحيد
لا إله إلا الله من أجلها وُضع سوق الجنة ومن أجلها خُلقت النار ومن أجلها أنزل
الله سبحانه وتعالى آدم إلى هذه الأرض ومن أجلها كلَّف سبحانه وتعالى الثقلين
بالتكليف:﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا
أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ (58)﴾56-57-58/الذاريات. فكثرة ثواب التوحيد عند الله من أتى الله تعالى بهذه
الكلمة فإنه يستحق دخول الجنة هب أن إنسانا لم يأت ربه تبارك وتعالى يوم القيامة بهذه
الكلمة كافر نصراني يهودي وثني أَحْسنَ إلى الناس كان يفعل الخير كما جاء عن بعض
المشركين أنهم كانوا يفعلون الخير عبد الله بن جدعان من الجاهليين كان لهذا الرجل
فضل على الناس في زمانه هذا الرجل ساعد في قيام حِلْفٍ يُمنع فيه ظلم الناس في مكة
سعى من أجلهم ومعه مجموعة من أشراف قريش أبرموا اتفاقية في دار ابن جدعان على ألا
يُظْلم َ بمكة أحدٌ وكان هذا الرجل مشركا يعني من الخير الذي كان فيه هذا مما كان
يفعله عبد الله بن جدعان لكنه سألته عائشة رضي الله عنها ماذا يصنع عبد الله بن
جدعان قال أنه عليه الصلاة والسلام لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين لا ينفعه ما قدَّم في هذه الدنيا يُعجَّل له
الجزاء في هذه الدنيا أما عند الله تبارك وتعالى يوم القيامة ليس له عند الله
سبحانه وتعالى شيء كل من أحسن إلى الناس في الدنيا من الكفار فإن الله تعالى
يُحسِنُ إليه لكن ليس له عند الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا النار ليس له عند
الله تعالى إلا النار:﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا
عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾23/الفرقان. من عدله سبحانه وتعالى أن يُكرِم هؤلاء الناس الذين
ينادون بالعدل من الكفار الذين يُحسنون إلى مخلوقات الله تعالى. الله تبارك وتعالى
يُعجِّل لهم الثواب في هذه الدنيا أما يوم القيامة ليس لهم عند الله سبحانه وتعالى
شيء:﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً
مَنْثُورًا﴾23/الفرقان. لكن من أتى الله تعالى بالتوحيد فإن الله تبارك وتعالى
يفتح له أبواب رحمته وقد يتجاوز الله سبحانه وتعالى عن سيئاته إن كان من عصاة
الموحدين لأن الله تعالى حرَّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه
الله.
لعلي اكتفي
بذلك حتى لا أطيل عليكم نسأل الله تبارك وتعالى أن يتوفانا وإياكم مسلمين وأن
يحشرنا مع الصالحين إنه ولي ذلك والقادر عليه هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق