الخميس، 9 يونيو 2016

شرح معارج القبول 1 لريحانة الدعاه الشيخ جابر عبد الحميد

شرح الشيخ جابر عبد الحميد ( 1 )

لكتاب: ( معارج القبول) لمؤلفه:حافظ بن أحمد بن علي الحكمي

   لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ندّ له ولا نظير له، ونشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله عَلَمُ الهدى وقُرَّة العيون، اللهم صلي على النبي محمد وآله وصحبه وسلم اللهم تسليما كثيرا. أما بعد:
 فمرحبا بكم إخوتي في الله بعد هذا الغياب نلتقي، نسأل الله أن يجمعنا في دار لا فِراق فيها، ولن تكون إلا دار القرار نسأل الله أن يجمعنا هناك حيث لا فِراق وحيث ينادي المنادي يا أهل الجنة خلود فلا موت اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، وأما هذه الدار فمكتوب عليها الفراق حتى ونحن فيها، ربما تفارق أخاك سنة أو أكثر وتلتقي به كيف حالك؟ بعد سنة ما أحوالك؟ فراق ونحن فيها، أما هناك فلا فِراق إن شاء الله، وسيجمع الله من تحابّ فيه والذين اجتمعوا في محبته وفي سبيله سيجمعهم عز وجل حتى ولو كان هناك فارق بينهم في العمل ستجمعهم محبة الله عز وجل يوم القيامة، وينادي عليهم المنادي: أين المتحابون بجلالي؟ اليومَ أُظِلُّهم في ظلِّي يومَ لا ظلَّ إلا ظلي. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
   قبل أن نعود إلى موضوعنا في مسائل العقيدة والتوحيد من كتاب معارج القبول، كلمة لا بد منها بسبب ما نحن فيه من ذِلّة وضعف، وهذه الكلمة على مستوى الأفراد، أما الأمة فنسأل الله أن يلْطُف بها، الأمة والمسئولون عن الأمة في وادٍ آخر غير الوادي الذي أراده أحكم الحاكمين جل وعلا.
   إنّ قتال اليهود للمسلمين تصديق للكتاب العزيز، والله عز وجل بيّن لنا أنهم سيقاتلوننا، وبيّن لنا شدة عداوتهم  في كتابه، ونحن الأمة لا تُصَدِّق الله جل وعلا، لا تُصَدِّق ربها وخالقها، بيّن الله لهم عداوتهم فقالت الأمة له: يا رب إنهم أصدقاءنا وأحباءنا، والله عز وجل بيّن لنا عكس ذلك:ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ  ﲍ ﲎﲏ   [82/المائدة] أليس هذا كلام الله عز وجل؟ هذا كلام الله، من أصدق من الله؟ الأمة اليوم لا تَصدِّق الله، يعني أنا أعيب سبب تسلط اليهود على المسلمين إلى سبب واحد، سبب واحد فقط، غياب دين الله، غياب الدين ولو كان الدين فينا في الأمة ما كان هذا حالنا، لماّ غَيَّبوا دين الله عز وجل عن الواقع وظنوا أنهم أحكم من الله عز وجل، وظنوا أنهم أعلم من الله سبحانه وتعالى، سَلَّط الله عليهم عَدُوَّه وحَقَّق فيهم كتابه:ﱡﭐﱾ ﱿ  ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ [217/البقرة] هذا كلام أحكم الحاكمين جل وعلا، وقد بيَّناه مرارا ولكن من الذي يسمع؟ ومن الذي يستفيد على مستوى الأمة؟ الأمة ليس عندها وقت، الأمة والت غير الله ونَصَرَت غير دينه ووالت أعداءه، ليس عندنا وقت لسماع كلام ربنا، والله تعالى يقول:ﱡﭐ    ﲟﲠ   [73/الأنفال] قولوا لا إله إلا الله، هذا كلام من؟ فكما أنهم أولياء بعض فكونوا أنتم أولياء بعض، ولو لم تفعلوا ذلك تكن فتنة في الأرض( فتنة يعني شرك ) أصل الفتنة الشرك، سيكون فتنة في الأمة يعني الكفر، الناس لن تثبُت على الإيمان نتيجة الضغوط، نتيجة الحروب، نتيجة الحصار، نتيجة التجويع، وفساد كبير، وقع أم لم يقع؟ وقع، هل هناك أصدق من الله؟ وهذا يَدُلُّك، أنا لماّ أقرأ هذه الآيات من غير دليل أن الله واحد أقول من قلبي، أشهد أن لا إله إلا الله، لأن الذي قال هذا الكلام وقَعَت آياته وصدَّق الواقع قوله جل وعلا: ( تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) وهو الموجود حاليا، الله عز وجل يُبيِّن في كتابه أن اليهود والنصارى لا يرضون عن هذه الأمة إلا في حالة واحدة، إذا ترَكَتْ دينها، أليس هذا كلام ربنا الذي تحفظونه؟ لكن من يعلم هذا الكلام إلا عمار المساجد، من يعلم هذا إلا أهل القرآن، أمَا قال الله عز وجل: ﱁ ﱂ ﱃ  ﱄ  ﱅ  ﱆ  ﱇ  ﱈ  ﱉﱊ  [120/البقرة] ما هو الحل يا ربِّ؟ أين الطريق يا ربِّ؟ ﱡﭐﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ  ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ  ﱡ [120/البقرة]أين الطريق يا ربِّ؟ ﱡﭐﱟ ﱠ [7/الفاتحة]هذا هو الطريق، هناك طريقﱡﭐ ﱟ  ﱠ  ﱡ هوﱡﭐ  ﱛ  ﱜ  ﱝ   ﱞ  [7/الفاتحة] هناك طريق ﱟ  ﱠ  ﱡ وهناك طريق غيرطريق العز والتمكين، من يسمع ومن يستجيب؟ وقد أصبحت حياتنا كلها تبعا لليهود والنصارى، وهذا أيضا تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم، هذا أيضا دليل على أن النبي صادق، وعلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله، صلّوا عليه، هذا دليل على أنه رسول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع .... )) من أين عرف النبي صلى الله عليه وسلم؟ صراط الله التي بيَّنَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى نهاهم عن التشبه بهم في اللفظ ليس في الشرع فقط ولا في القوانين ولا في اللباس، حتى الألفاظ نهاهم أن يتشبهوا بها باليهود والنصارى. قالوا: اجعل لنا ذات أنواط ( أي شجر ذات فروع ) كما عند المشركين، نُعلِّقُ عليها أسلحتنا ونستريح تحتها بعد الغزو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الله أكبر، قلتم والله كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة )) انظر التشبه في اللفظ مَنَعَه النبي صلى الله عليه وسلم.
   هذا هو الطريق على مستوى الأمة، يقولون السلام الدائم، وربنا قال لا يوجد سلام دائم معهم، نُصدَّق من؟ يقولون السلام الدائم والشامل والعادل، أولا هم ليسوا أهل عدل، وإنما هم أهل ظلم، فقد خانوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم أَفَيَصْدُقونكم أنتم! كيف سلام دائم والصراع معنا ومعهم إلى قُبَيْل الساعة، إلى ظهور المهدي المنتظر، ونزول المسيح عيسى ابن مريم وفتح روما، أين السلام الذي بيننا وبينهم؟ أنتم بهذا ستُكَذِّبون الله؟ كَوْنُكم تظنون أنهم أهل سلم دائم هذا تكذيب للقرآن، القرآن يقول غير هذا، القرآن يقول: لا سلام بيننا وبينهم أبدا، أي بين المحاربين منهم، أما اليهودي المعاهد الذي يعيش معنا ولا يؤذينا، ومعه عهد مع الحاكم هذا شيء آخرﱡﭐ ﱩ  ﱪ  ﱫ  ﱬ  ﱭ  ﱮ  ﱯ  ﱰ  ﱱ  ﱲ  ﱳ   ﱴ  ﱵ  ﱶ  ﱷ  ﱸ  ﱹﱺ  [8/الممتحنة] حتى لو ذبحت ذبيحة فاعط له، ولو عمل لديك فلا تظلمه ﱡﭐ  ﲡ  ﲢ  ﲣ  ﲤ  ﲥ   ﲦ  ﲧﲨ  ﲩ  ﲪ  ﲫ  ﲬﲭ  [8/المائدة] انظر إلى الشرع الحكيم، أمّا المحارِب فلا سِلْم ولا برّ ولا مودة، أمّا اليهودي المعاهَد له البر وليست له المودة كما درسنا سابقا.
   فقتال اليهود اليوم للمسلمين تصديقٌ للكتاب العزيز، ويا أمة الإسلام كلمة سنقولها في الهواء: إذا أردتم النجاح والفلاح والتمكين ففي كلمة واحدة قالها الله، اسمعوها فهي المخرج، قال الله عز وجل ﱡﭐ  ﱍ  ﱎ   ﱏ  ﱐ  ﱑ  ﱒ  ﱓ  ﱔ [92/الأنبياء] أمة واحدة ولم يقل دولة أو دولتين أو ثلاثة، كلها حدود استعمارية معروفة، أمة واحدة، خمسة وخمسون دولة مجتمعين أول أمس غير قادرين على اتخاذ قرارا واحدا! لا تستطيعون الحرب من جُبْنِكُم أنتم. قولوا تعطيل المصالح الأمريكية والإسرائيلية في بلاد المسلمين، قولوا أي شيء تُرْضي الله عز وجل، المناصب ستزول عنكم ﱡﭐ  ﳆ  ﳇ  ﳈﳉ  [16/غافر] قولوا أي شيء، لا يوجد حتى قرار، رَبُّنا أمر الأمة أن تُرْهِب عدوَّ اللهﱡﭐ ﲥ  ﲦ  ﲧ  ﲨ  ﲩ  ﲪ  ﲫ  ﲬ  ﲭ [60/الأنفال] لماذا ﱡﭐ ﲮ  ﲯ  ﲰ  ﲱ  ﲲ  [60/الأنفال] تحديد مفهوم الإرهاب في الشرع: أنّ الأمة تجتمع وتُعِدّ أكبر قوة عندها، وهذه القوة تُرهب بها أعداء الله، لكن غياب الدين، الدين الذي أمر أن يكون الكافر صغيرا ذليلا، المسلم تحت ولاية الكافر! ما هذا؟ بلاء والله. ما هو الحل؟ الحل كأمة أنتم عرفتم، خمسة وخمسون دولة لا حلّ إلا السلاح، السلاح والقتال وتدريب الشباب، تدريبهم على أحدث الأسلحة ورفع راية الجهاد في سبيل الله، يقول: أنا خائف على أولادي وأحافظ عليهم، النبي لم يُربِّي أولاده للوطن فقط، إنما ربَّى أولاده على الشهادة في سبيل الله، النبي ربَّى أولاده ليقاتلوا في سبيل الله، ينالون روح الشهادة، وقد قلنا قصص كثيرة في هذا المجال، عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان رجلا أعرجاً، حصلت مشاجرة بينه وبين أولاده لينال الشهادة في عزوة أحد، قال له أولاده: يا أبتاه نكفيك وقد رفع الله الجُناح والعتاب واللوم عنك، اتركنا نجاهد نحن في سبيل الله، واحتكموا عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأولاد عمرو بن الجموح: اتركوه لَعَلَّه يصيب الجنة. وتركوه يجاهد وأصاب الفردوس الأعلى.
   النبي ربَّى أولاده للشهادة في سبيل الله، النبي حياته كلها جهاد في سبيل الله، ثلاثة عشر جهاد تبليغ ودعوة، وعشر سنين جهاد سيف وقتال، لا بد من رفع راية الجهاد، لا سلام دائم مع اليهود الأنجاس، ألف وخمسمائة معتقل الأسبوع الماضي، ما العمل إذن؟ لو أردت محاربة اليهود مع إخوانك في فلسطين الذي سيقْبِضُ عليك هو محمد وأحمد ومحمود وسيرسلك إلى المعتقل وإلى السجن مسلم مثلك، وأنت رأيتم الشاب الذي أصابته الغَيْرة على أولاد المسلمين وذهب إلى فلسطين ليجاهد فقُبِضَ عليه عند الحدود، الله لن يحاسبني على القتال مع الفلسطينيين معهم ضد العدوﱡﭐ ﲦ  ﲧ   ﲨ  ﲩ  ﲪ  ﲫﲬ [286/البقرة] ليس بوسعي أن أقف بجوار إخواني في فلسطين باليد والقتال، وربنا عَلَّه يُدخلنا تحت قولهﱡﭐ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ  ﲛ[98/النساء] ليس لنا سبيل، فلا بد إِذْن الحاكم في الذهاب للجهاد في فلسطين، يجب أن يُدَرِّبني ويعطيني السلاح ويقول لي: اذهب مع الجيش، فأنتم تعرفون أحوال الحكام، ولا داعي للكلام.
   ثم ننتقل من جهاد اليد والسلاح إلى جهاد المال: جاهد وحاول أن تُبَلِّغ مالك إلى هؤلاء المجاهدين، وإلى اليتامى والأرامل، بيوت تُضرب بالصورايخ، وسبحان الله ما معهم إلا قليل من السلاح، أربعة أيام لا يستطيعون دخول جنين المحاصَرة، لو عادت الأمة إلى الله لانتصروا على اليهود، ولا يغُرَّنَّك كثرة عتادهم، معهم أشياء بسيطة، مسدسات ورشاشات، أربعة أيام لا يستطيعون دخول جنين، وتعتيم إعلامي على قتلى اليهود، مثل الأمريكان الذين يموتون في أفغانستان، وأسرى، ولكن هناك تعتيم إعلامي واضح، يريدون الحفاظ على أرواحهم المعنوية ويقْتلوننا معنويا، معك مال جاهد بمالك حتى وإن عَمِلْت لإرسال المال فقط.
   ثم ننتقل إلى النقطة الثالثة التي سيحاسبك الله عليها: وهي أن تحمل هذا الدين وتدعوا إلى هذا الدين، كلنا محاسبون وموقوفون بين يد الله عز وجل يوم القيامة ( نقطة تبليغ الدين ) وهذا يقتضي منك أن تتعلم دينك تلاوة وتفسيرا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومطلقا ومقيدا، وتتعلم أسباب النزول المقدم والمؤخر في النزول، وتتعلم أحكام القرآن، وتتعلم سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كل هذا مع تفريغ الوقت، ساعتين وثلاثة وأكثر وأقل لتَعَلُّم هذا الدين في البيت وعلى الشريط ومع العلماء ومصاحبتهم، وتَحْمل هذا الدين وتعمل بهذا الدين وتعتز بهذا الدين ويكون الدين أغلى من أبيك وأمك وتدعوا إلى هذا الدين، كلكم محاسبون وكلٌ على قدر مسئوليته، وكلٌ على قدر طاقته، كل طاقة عندك لم توجهها لهذا الأمر الله محاسبك وسائلك عنها، قال الله عز وجلﱡﭐ  ﱹ  ﱺ  ﱻ  ﱼ  ﱽ   ﱾ [6/الأعراف] الكل سَيُسْأَل وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، تعلَّم الدين والعمل بالدين وتبليغ الدين.
   ننتقل إلى النقطة التالية: الدعاء لإخواننا وبعد ذلك مشاركتهم الوجدانية، نشاركهم الأحزان، لماَّ تأكل في بيتك وأنت آمن تذكّر إخوانك الذين لم يأكلوا، تذكّر إخوانك الذين ينتظرون الموت من دقيقة إلى دقيقة، بين كل دقيقة ودقيقة يموت العشرات من إخوانك الموحدين، تذكَّر وأنت آمن هنا تأكل وتشرب وتنام، احزن وشاركهم الأحزان، ثم تدعوا لهم الرحمن في القنوت، في الصلوات الخمس، كان النبي صلى الله عليه وسلم يَقْنُت في الصلوات الخمس عند نزول المصائب والمدْلَهِمَّات، ويدعوا حتى يرفع الله البلاء. اقْنُت ربنا يُعِينك على ركعتين في جوف الليل، ادعوا لإخوانك في سجودك في آخر الليل، هذا الذي نستطيع أن نفعله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، والذي حَرَمنا من الشهادة أسأل الله أن يهديه وإلا أن يحرمه من خيري الدنيا والآخرة، لا تحزنوا على عرفات، صحيح هو أقرب إلينا من اليهود، لكن أعلنها صراحة فقال: دولة علمانية بعيدة عن شرع رب البرية، فلا تحزنوا عليه فقد حَبَسَ الأولياء وحَبَسَ الشباب في السجون والمعتقلات، ربنا يحبسه ويُذِلُّهﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱫﱬﱭ ﱮ ﱯ [81-82/مريم] بوش كَفَر بعبودية عرفات، أنا فَقَدُّت ثقتي فيهﱡﭐ  ﱮ  ﱯ  ﱰ   ﱱ  ﱲ[82/مريم] والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. لا تحزنوا، صحيح هو أقرب إلينا من اليهود لأنه يقول لا إله إلا الله، ولكن تناقض مع لا إله إلا الله، تُعْلِنها دولة علمانية بعيدة عن دين الله وعن شرعه، أين مقتضى لا إله إلا الله!؟ لو مَكَّنَك الله ما كنتَ سَتَحْكُم بشرع الله. ادعوا أن يرزقنا الله إماما ربانيا يحكمنا بكتابه ويرفع لنا راية الجهاد في سبيله.
نعود إلى ما كنا فيه، آخر شيء في كتاب معارج القبول تكلمنا عنها أشراط الساعة: يقول:
وَبِالْمَعَادِ أَيْقَنَ بِلَا تَرَدُّدٍ ... وَلَا ادِّعَا عِلْمٍ بِوَقْتِ الْمَوْعِدِ
      لَكِنَّنَا نُؤْمِنُ مِنْ غَيْرِ امْتِرَا ... بِكُلِّ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ خَيْرِ الْوَرَى
 مِنْ ذِكْرِ آيَاتٍ تَكُونُ قَبْلَهَا ... وَهِيَ عَلَامَاتٌ وَأَشْرَاطٌ لَهَا
    وتكلمنا عن أشراط الساعة، وهذه الساعة لا يعلم بها أحدٌ إلا الله عز وجل، تكلمنا عن الأشراط، وأخذنا فيها وقتا طويلا، والآن ننتقل إلى الأبيات التي بعد ذلك.
يقول الشيخ رحمه الله:
                     وَيَدْخُلُ الْإِيمَانُ بِالْمَوْتِ وَمَا ... مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعِبَادِ حُتِمَا
   أي يدخل الإيمان في الإيمان باليوم الآخر. نحن ماذا ندرس؟ اليوم الآخر، درسنا أشراط هذا اليوم ثم دخلنا في بعض مقتضيات الإيمان بهذا اليوم وهو الإيمان بالموت وما من بعد الموت مما سيأتي في الأبيات التالية:
                     وَإِنَّ كل مُقْعَدٌ مسئول ... مَا الرَّبُّ مَا الدِّينُ وَمَا الرَّسُولُ
سؤال القبر وعذاب القبر ونعيم القبر ويوم البعث والنشور، كل هذا داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر.
                     وَيَدْخُلُ الْإِيمَانُ بِالْمَوْتِ وَمَا ... مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعِبَادِ حُتِمَا
انتبه: هذا الإيمان بالموت يتناول أموراً، حوالي خمسة أمور نحفظها مع بعض:
أولا: تَحَتُّمُه على من كان في الدنيا من أهل السماوات والأرض من الإنس والجن والملائكة وغيرهم من المخلوقات:
   قال تعالى:ﱡﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ [88/القصص] وقال تعالى: ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ  ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ [26-27/الرحمن]وقال تعالى: ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ  ﲔ  ﲕ ﲖﲗﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ [185/آل عمران] اللهم اجعلنا من أهل الجنة ومن الفائزين 185/آل عمران وقال تعالى مخاطبا نبيه وخليله وحبيبه صلى الله عليه وسلم: ﳐ  ﳑ  ﳒ  ﳓ[30/الزمر] وقال تعالى:ﱡﭐ  ﲽ  ﲾ  ﲿ  ﳀ ﳁ        [34/الأنبياء] أبدا يا ربﱡﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍ ﳎ ﳏ  ﳐ  ﳑﳒ  ﳓ  ﳔ[35/الأنبياء] وقال تعالى:ﱡﭐ ﱤ  ﱥ  ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ ﱲ ﱳ ﱴ[56-57/العنكبوت] وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (( أعوذ بِعِزَّتك لا إله إلا أنت، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون )).
الأمر الثاني: أنّ كلاً له أجل محدود، وأمدٌ معدود، ينتهي إليه لا يتجاوزه ولا يَقْصُر عنه، وقد عَلِم الله جميع ذلك بعلمه الذي هو صفته، وجَرَى به القلم بأمره يوم خَلَقَه، ثم كتبه الملك على كل أحد في بطن أمه بأمر ربه عند تخليق النطفة في عينه في أي مكان يكون، وفي أي زمان، فلا يُزاد فيه ولا يُنْقَص منه ولا يُغَيَّر ولا يُبَدَّل عما سبق به عِلْم الله تعالى، وجرى به قضاءه وقدره، وأنّ كل إنسان مات أو قُتِل أو حُرِّق أو غَرِق أو بأيّ حَتْفٍ هَلك، إنما هَلك بأجله لم يستأخر عنه ولم يستقدم طرفة عين، وأنّ ذلك السبب الذي كان فيه حَتْفُه هو الذي قَدَّره الله تعالى عليه وقضاه وأمضاه ولم يكن له بدٌ منه ولا محيص عنه ولا مفرّ له ولا مهرب ولا فِكاك ولا خَلاص، وأنّ وكيف وإلى أين ولات حين مناص، قال تعالى:ﱡﭐ  ﲂ  ﲃ   ﲄ  ﲅ  ﲆ  ﲇ  ﲈ  ﲉ  ﲊ  ﲋﲌ [145/آل عمران] كتابا مؤجلا لا يتقدم عنه ولا يتأخر، وبَيّن جل وعلاﱡﭐ  ﱹ ﱺ  ﱻ ﱼ ﱽ  ﱾ ﱿ  ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅ [154/آل عمران].
الإيمان بالموت: تَحَتُّمُه على كل مخلوق، اليوم ميت، وغدا ميت، وميت يوصي الميتة، وسبحان الحي القيوم الوارث عز وجل.
ثانيا: أن هذا الموت بأجل وكتاب لا يتقدم عنه الإنسان ولا يتأخر، حَكَيْتُ لكم قبل ذلك أنّ أحدا ظنّوه ميتا، في الغُسل أفاق وطلب ماء فشرب الماء وأسند روحه إلى خالقه، بِأَجَلْ، عريس وعروسة في ليلة زفافهما ماتا بِأَجَلْ ، لا يتقدم عنه لحظة ولا يتأخر.
   من ثمرات الإيمان بهذه النقطة أن الشجاعة لا تُقدِّم الأجل والجُبْن لن يؤخر الأجل، لا تَبْقَى جبانا لأنك مهما حافظت على عمرك لن تستطيع، ستموت في الساعة التي قدَّرَها ربنا وفي المكان الذي قدَّره، وأنت سمعت الآية ردا على المنافقين في غزوة أحد وقد تركوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفَرُّوا بثلث الجيش فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((  تَفِرُّون من الموت )) ﱡﭐ ﱹ ﱺ  ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ  ﲁ  ﲂ  ﲃ  ﲄﲅ  [154/آل عمران] وفي حديث سيأتيك بعد قليل أن الله عز وجل إذا أراد قبض روح عبد من عباده في مكان جعل له فيه حاجة سيأتيكم تخريجه بعد قليل فانتبه.

   وقال جل وعلاﱡﭐ  ﱡ  ﱢ  ﱣ  ﱤ  ﱥ  ﱦ   ﱧ  ﱨ  ﱩ  ﱪ ﱫ ﱬ  ﱭ  ﱮ  ﱯ  ﱰ  ﱱﱲ   ﱳ  ﱴ  ﱵ  ﱶ  ﱷ  ﱸ[61-62/الأنعام] الآيات كثيرة جدا في هذا المجال لا بأس بتلاوة بعضها لعلّ قلوبنا أن تلين وأن تعود إلى ربها عز وجل، قال تعالى:ﱡﭐ  ﲿ  ﳀ  ﳁ  ﳂﳃ[5/الزمر] الشمس لها أجل، القمر له أجل، هذا التسجيل له أجل، هذا المنبر له أجل، وقال تعالى:ﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ [8/الجمعة] تفرُّ تذهب إلى أين؟ وهذا سِرُّ شجاعة الصحابة انتبه، هذه الآيات تُقرأُ في المآتم يحبونها جدا، عند موت أحد تجد المقرئين في المآتم يتلون هذه الآيات، هذه الآيات ليست للمآتم وإنما نزلت للتربية، نزلت لتربية الصحابة، يقول الله لهم، لا تخافوا وأنا الله الذي بيدي الآجال والأعمار، لا يستطيع أحد أن يُمِيتك قبل حلول الأجل، لا تكن جباناﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ  ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ  ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ  [42/الزمر] أين الشاهد في الآية؟ ﱩ  ﱪ  ﱫﱬ اسمع إلى هذا الحديث فيه دعاء من أم المؤمنين، وفيه تربية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قالت أم حبيبة رضي الله عنها: اللهم متعني بزوجي رسول الله، وبأبي، أبي سفيان، وبأخي معاوية. تطلب من الله عز وجل أن يمتعها بأبيها وأخيها وزوجها، يعني متعني بأعمارهم، فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق